القائد العظيم يحتاج إلى شعب عظيم!
ياسر العيتي
دمشق 3/12/2025
في رسالة إلى السيد الرئيس أحمد الشرع وصفه ترامب بـ(القائد العظيم) وأعتقد أن أمام الرئيس الشرع فرصة تاريخية ليكون قائداً عظيماً ليس بسبب وصف ترامب له ولكن إذا عمل بالسنن الربانية التي تجعل القائد عظيماً.
أدق تعريف قرأته للقيادة هي أنها "إشعار الناس بقيمتهم وإمكانياتهم إلى درجة تجعلهم يرون هذه القيمة والإمكانيات في أنفسهم" وأدقُّ تعريف قرأته للقائد العظيم هو أنه "ذلك الشخص الذي يبني مؤسسة تطلق الطاقات الكامنة عند الأشخاص الذين يعملون فيها، مؤسسة تعمل بعد رحيل القائد عنها مثلما كانت تعمل في أثناء وجوده".
قبل انطلاق ثورات الربيع العربي ابتُليت شعوب منطقتنا منذ عشرات السنين برؤساء مهمتهم "إشعار الناس بانعدام قيمتهم وإمكانياتهم إلى درجة تجعلهم يكفرون بوجود هذه القيمة والإمكانيات في أنفسهم!" ولقد بنى هؤلاء الرؤساء دولاً عبارة عن "ممالك خوف تقتل الطاقات الكامنة عند المواطنين القاطنين فيها، ممالك خوف معرضة للانهيار في أية لحظة ولا يبقيها متماسكة إلا القمع والرعب!" والنتيجة كانت منطقة تعج بالجهل والفقر والتفكك والصراعات وتأتي في مقدمة دول العالم في الاستبداد والفساد وانتهاك حقوق الإنسان، مما أدى إلى انفجارها بالثورات في نهاية المطاف.
إن التجدد هو سنة الحياة، ولقد خلق الله الناس مختلفين متنوعين لحكمة عظيمة وهي رفد الحياة على نحو دائم بشخصيات جديدة وأفكار جديدة ودماء جديدة وإن اختصار الأمة كلها في رجل واحد هو خنق لهذه الأمة وتدمير لطاقاتها.
القائد العظيم هو ذلك الشخص الذي يعمل منذ اللحظة الأولى لتسلمه القيادة على بناء نظام يخرِّج القادة وليس نظاماً يقتل القادة! القائد العظيم لا يضيره أن يخلي مكانه بعد فترة تطول أو تقصر- ولو كانت خمسة عشرة عاماً - إلى قائد غيره لأنه يعلم أن التاريخ لا ينتهي عنده وأن الأمة التي أنجبته يمكن أن تنجب العشرات من أمثاله. القائد العظيم هو إنسان متواضع يعتبر نفسه حلقة في سلسلة أو لبنة في جدار ولا يعتبر نفسه السلسة كلها أو الجدار كله! لقد كان الرسول محمد صلى الله عليه وسلم أول من أرسى مفهوم القيادة هذا عندما شبه نفسه نسبة إلى الأنبياء الذين سبقوه بأنهم كمن بنى جداراً ثم جاء هو ووضع اللبنة التي أكملت الجدار ولم يقل أنه بنى الجدار كله - مع أنه رسول الله وخاتم الأنبياء - كما كان يفعل رؤساء حكموا البلاد العربية عقوداً طويلة ونسبوا أمجاد الأمة كلها إلى أنفسهم وكأن تاريخ الأمة قد بدأ بهم وكأن الأمة من دونهم كانت ستصبح هباء منثوراً. إن كل ما كان يقوله هؤلاء عن إيمانهم بشعوبهم لا قيمة له لأن أفعالهم كانت تخالف أقوالهم فمن ينصب نفسه قائداً إلى الأبد إنما يقول لشعبه (بلسان حاله وهو أبلغ من لسان المقال): أيها الشعب أنت أعقم من أن تلد قائداً غيري وأعجز من أن تخرج قائداً غيري، وفي ذلك قمة الاستخفاف بالشعب وقمة الاحتقار له!
ليكون القائد عظيماً بحق لا بد أن يكون حوله شعب عظيم يؤمن بنفسه وبـأنه ولاّد بالقيادات، شعب لا يحترم إلا من يحترمه ويصدق معه ويمكّنه، شعب يعيش معافى من أسطورة (الزعيم الأوحد) و(الأب القائد) الذي تصبح الأمة يتيمة بغيابه. لقد آن الأوان لبناء ثقافة جديدة تجعل الناس يقبلون كل قائد يعبِّد الطريق أمام شعبه ليحقق أحلامه في الحرية والكرامة والازدهار ثم يغادر المسرح بسلام – ولو بعد خمسة عشرة عاماً -كما يحدث في معظم دول العالم ويرفضون ذلك (القائد) الذي ينصب نفسه وثناً أبدياً سرمدياً لا يزيحه عن الكرسي إلا الموت!